الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة .. أعداء أم حلفاء؟

يعتقد أن الغاز الطبيعي سيكون من بين مصادر الطاقة الأسرع نموا في العقود المقبلة. ووفقا لشركة إكسون موبيل - واحدة من أكبر عمالقة النفط والغاز في العالم - فمن المتوقع أن يحل الغاز الطبيعي محل الفحم بحلول عام 2025 كثاني أكبر مصدر للطاقة بعد النفط. ومما يجعل من الأمر قصة مقنعة التقاء الاحتياجات الشرهة للطاقة مع الفائض العالمي الوفير من الغاز الطبيعي. وهو وقود احتراق نظيف ويعتبر إضافة كبيرة إذا أخذنا في الاعتبار العديد من المدن الكبرى في جميع أنحاء العالم القابعة تحت غيوم ملوثات الهواء الفظيعة. وينعكس ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي من خلال تحديده كمصدر أنظف للوقود مقارنة بالفحم والنفط. وعلى مر السنين تسبب الاعتماد على الفحم والنفط في خسائر فادحة على المستوى البيئي.
ومع تقدم تقنيات الحفر الجديدة، تضاعفت تقديرات الغاز الطبيعي القابل للاستخراج في العقدين الأخيرين من الموارد العميقة وغير المدركة. ويعتبر الغاز الطبيعي من أنظف أنواع وقود الاحتراق الأحفوري بسبب عملية احتراقه التي تعتبر مثالية، حيث ينبعث عنها عدد قليل جدا من الملوثات الثانوية في الغلاف الجوي.
ومن حيث التخزين يلغي الغاز الطبيعي الحاجة إلى خزانات تحت الأرض. وبالتالي يتم القضاء على تهديدات مثل تسرب النفط، أو تآكل الخزانات، أو تلوث التربة، أو ارتفاع تكلفة تنظيف البيئة. والغاز الطبيعي غير سام مقارنة بالنفط والفحم، وإضافة إلى كونه اقتصاديا وفعالا فهو موثوق به وله سجل سلامة يحسد عليه. ونظم خطوط أنابيب الغاز لا يمكن أن تتلف بسهولة بسبب ظروف الطقس مقارنة بخطوط أنابيب النفط التي يجب أن تنقل إلى موقع العميل وتكون عمليات تسليمها عرضة لظروف الطقس.
ويبدو أن الشهية للطاقة المتجددة قد تناقصت في العديد من الأسواق على النقيض من ارتفاع الشهية للغاز الطبيعي عند اعتبار عوامل التكلفة والقبول البيئي.
ووفقا لتقديرات شركة أكسون فمن المتوقع لمصادر الطاقة المتجددة أن تحل محل 7 في المائة فقط من مصادر الطاقة العالمية، لتأتي بذلك بعد نسبة الطاقة النووية البالغة 8 في المائة. ومن المتوقع أن يستمر الوقود الأحفوري بقيادة النفط (37 في المائة من الطلب العالمي)، والغاز الطبيعي (27 في المائة)، والفحم (19 في المائة) في السيطرة على إمدادات الطاقة طوال العقود الثلاثة المقبلة على الأقل.
ولا يمثل الغاز الطبيعي - بالضرورة - أمرا سيئا لمصادر الطاقة المتجددة. فالغاز الطبيعي يمكن أن يكون شريكا أساسيا في تطوير مصادر الطاقة المتجددة، وتوفير طاقة احتياطية أنظف موثوق بها عندما يقل سطوع الشمس أو تخبو الرياح. وللقدرة على ضبط مستويات إنتاج الطاقة في غضون دقائق العديد من المزايا الرئيسية لكل من التكامل مع مصادر الطاقة المتجددة والعمل بمثابة مصدر موثوق به لتلبية الطلب عند الذروة. وعلاوة على ذلك وعلى العكس من محطات الطاقة النووية يمكن بناء محطات الغاز الطبيعي بثمن بخس وبسرعة.
كما يمكن لتوفر الغاز الطبيعي أن يساعد على تقليل انبعاثات الكربون، لكنه أيضا يمكن أن يؤجل الوعد لتقنيات الطاقة المتجددة الخالية من الكربون. وعلى المدى القريب تبدو المحطات الاحتياطية العاملة بالغاز الطبيعي مهمة جدا لنشر محطات الخدمة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع. أما في المستقبل ومع تحسن سبل تخزين ونقل الطاقة- تقنيات الشبكة الذكية- يمكن أن تحل مشاكل التقطع التي تواجه الطاقة المتجددة دون الاعتماد على طاقة احتياطية تعمل بالوقود الأحفوري. ولكن تطوير تقنيات فعالة من حيث التكلفة كهذه على نطاق واسع يستغرق سنوات، إن لم يكن عقودا طويلة.
وهذا لا يتسق مع أهداف مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة (KACARE)، الهيئة التنظيمية الرسمية التي أنشئت بموجب المرسوم الملكي، والتي تعد القوة الدافعة لجعل الطاقة الذرية والمتجددة جزءا لا يتجزأ من مزيج الطاقة المستدامة الوطنية، وتوفير الاستفادة من المزايا التنافسية للتقنيات ذات الصلة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المملكة العربية السعودية. ومن بين الأهداف الرئيسة لمدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة إيجاد قطاع اقتصادي مستدام في المملكة العربية السعودية يرتكز على السوق المحلية لطلب الطاقة البديلة، والمساهمة في خلق فرص العمل، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، والحد من البصمة البيئية، وتحقيق التنمية المستدامة.
والحل المحتمل هو السماح بالمزيد من الاعتماد على الطاقة المتجددة، ولكن يرى بعض الاقتصاديين أن هذا الأمر مكلف، ومن الأفضل أن ندع السوق ينتقي التقنيات الأصلح للتطبيق. وبعض الخبراء قلقون من أن الغاز الطبيعي سيؤدي إلى تأجيل استثمارات البحث والتطوير اللازمة لتطوير تقنيات الطاقة المتجددة الناشئة ذات الصلة. أما وجهة النظر العلمية فهي أن مختلف تقنيات الطاقة المتجددة ستشكل جزءا رئيسيا من مزيج الطاقة في المستقبل. فالآن - وأكثر من أي وقت مضى - هناك حاجة ملحة إلى القيام باستثمارات تركز على بحوث التقنيات المتجددة، والتطور الأكاديمي، والتصنيع، والتعليم وبناء القدرات. ودور مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة كهيئة تنظيمية وسياسية وطنية هو توجيه المملكة العربية السعودية نحو عصر جديد للطاقة المستدامة، لقيادة مسيرة الطاقة الذرية والمتجددة لضمان أفضل استخدام ممكن لموارد الطاقة الوفيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي