خلق الله الإنسان وكرمه بالعقل الذي ميزه به عن كافة المخلوقات الحية حيث يتميز الإنسان بالقدرة على التفكير العقلي وذلك من خلال عدة عمليات عقلية تحدث في ذهنه والتي يستطيع من خلالها الوصول إلى الإبداع والابتكار ويتساءل الكثير من الأشخاص هل الإبداع ظاهرة نفسية فردية يتم ولادته من الفرد نفسه، أم ظاهرة طبيعية اجتماعية يكتسبها الفرد من مجتمعه، وقد شكل هذا الموضوع جدلا واسعا بين الأشخاص، وهنا يمكن التعرف على هل شروط الابداع نفسية ام اجتماعية؟ ومعرفة كافات المعلومات حول هذا الموضوع.
الابداع ظاهرة نفسية
نستطيع القول هنا إلى أن الإبداع يعود إلى تأثير العوامل الشخصية بشكل عام، والشروط النفسية بشكل خاص، فالإبداع ظاهرة سيكولوجية معقدة تعمل على بناء القدرات الذاتية و العقلية مثل: التخيل والحدس الإبداعي، والمبدعون يتميزون بخصائص نفسية وقدرات ذاتية وانفعالات متطورة تتمثل في حب الاطلاع والحس الإشكالي و الفضول العلمي و الإرادة الكبيرة، وينظر الشخص المبدع إلى الأمور بنظرة غير عادية، كذلك يقوم بطرح الأسئلة بشكل مستمر مما يستدعي وضع حلول لديه لكافة الإشكاليات التي تستدعي الحل، ومثال على ذلك العالم نيوتن وهو العالم الفيزيائي الذي اكتشف الجاذبية الأرضية، وكذلك العالم أرخميدس الذ اكتشف قانون الدافعة في الفيزياء.
ويتملك المبدعون قدرات خارقة حيث يتميزون بالذكاء الشديد وقوة الذاكرة والتخيل الواسع العميق، وهذه الصفات لا يمتلكها الكثير من الناس ويختص فيها الأشخاص المبدعون فقط، يقول العالم “هنري برغسون” إن العلماء الذين يتخيلون الفروض، و الأبطال و القدسين الذين يبدعون المفاهيم الخلقية لا يبدعون في حالة جمود الدم بل يبدعون في جو حماسي و تيار ديناميكي تتلاطم فيه الأفكــــار”، لذلك يعتبر الشخص المبدع شخصاً انفعاليا وبصورة كبيرة، لان هذا الإبداع لا يأتي من حالة الجمود بل من داخله الحماسي، حيث تتشابك وتتلاطم لديه الأفكار والتي يقوم بالتعبير عنها عن طريق الإبداع.
نقد أطروحة الابداع ظاهرة نفسية
لاقت أطروحة الإبداع ظاهرة نفسية الكثير من الانتقادات، وذلك لان العوامل النفسية لا تكون كافية بأن تجعل الشخص مبدعا، حيث أن الإبداع يحتاج الي مجتمع مشجع وإلى إمكانيات مادية، والإنسان كائن اجتماعي لذلك تتدخل العوامل الموضوعية ويبدأ الحديث عن الإبداع ليس ظاهرة نفسية.
الابداع ظاهرة اجتماعية
تتحدث هذه الأطروحة أن الإبداع يرجع إلى تأثير العوامل الموضوعية بصورة عامة والشروط الاجتماعية، ويرى فلاسفة الاجتماع إلى اعتبار الإبداع ظاهرة اجتماعية حيث يتوقف الإبداع على درجة نمو الشخص المبدع وعلى حاجاته الاجتماعية، وترتبط العمل الإبداعي بالمحيط الاجتماعي والثقافي, فالتنشئة الاجتماعية تعمل على تربية الذوق وجعل العمل الإبداعي عملا ممكنا، وعندما تتواجد مشكلة في المجتمع يلجأ بعض الأشخاص إلى اختراع كافة الحلول لها، وبالتالي لا نستطيع تصور الإبداع خارج حاجات المجتمع، ولا يمكن للشخص المبدع أن يخترع ويبتكر الأشياء الا بتوافر كافة الإمكانيات المادية وهذه الإمكانيات يقوم المجتمع بتوفيرها للمبدع.
ولو نظرنا إلى حال المجتمعات لوجدنا أن الإبداع يكون في أكثر الدول المتقدمة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، حيث تقوم هذه الدول بتوفير كافة الإمكانيات للشخص المبدع، والإنسان لا يمكن أن يصبح مبدعا بدون توافر كافة الإمكانيات فهي تساعده على سرعة الإبداع والإنجاز فيه، ويرى الفيلسوف دور كايم “أن المبدع في مختلف المجالات لا يبدع لنفسه بل يبدع للغير ، فأروع الفنانين مثلا هم الذين يثيرون مشاعر الجماهير ، و يتركون أثرا في حياة الجماعة”.
نقد أطروحة الابداع ظاهرة اجتماعية
لاقت أطروحة الإبداع ظاهرة اجتماعية الكثير من الانتقادات من قبل الفلاسفة، وذلك لأنه لو كان الإبداع يرجع إلى عوامل اجتماعية لوجدنا أن كافة أفراد المجتمع كلهم مبدعين، ولكن الواقع يثبت عكس ذلك، ومفهوم الإبداع من أكثر المفاهيم تعقيداً في علم النفس ومع كثر محاولات البحث عن ظاهرة الإبداع استقر رأي العلماء على أن الإبداع هو خليط بين القدرات الذاتية والبيئة الاجتماعية.
كذلك يعتبر الإبداع ظاهرة فردية مرتبطة بأعماق جذورها في الحياة الاجتماعية التي منها يأخذ المبدع كافة الإمكانيات التي تساعده في الابتداع, فالإبداع يستمد حيويته من ميول الفرد ويستمد مادته من حاجة المجتمع, وهنا يمكن القول أن الإبداع يصبح متكاملا بالترابط بين الشروط الذاتية والاجتماعية.