خطبة نهاية العام الهجري مكتوبة كاملة، وهي بمنزلة الإعلام عند المسلمين؛ فبها يتحصل المسلم على الموعظة وحال أمة الإسلام، ونحو تلك المعاني، لذلك يهتم أن يقدم لكم من خلال هذا المقال خطبة نهاية العام الهجري مكتوبة، وخطبة جمعة عن وداع العام، وخطبة بعنوان وقفات مع نهاية العام الهجري، وخطبة جمعة عن العام الهجري الجديد.
خطبة نهاية العام الهجري مكتوبة كاملةنهاية العام الهجري مكتوبة
مقدمة الخطبة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أمــا بــعـــد فاتقوا الله عباد الله، ففي التقوى صلاحكم وفلاحكم ونجاتكم وسعادتكم في الدنيا والآخرة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
نص الخطبة عباد الله ها نحن في آخر جمعة من هذا العام، نوشك أن نعبر من طرف جسر إلى طرفه الآخر، خطوة نودع وخطوة نستقبل، ودعنا موسماً كاملاً أودعنا فيه ما شاء الله أن نودع من أعمال، منها ما هو لنا ومنها ما هو علينا، فلا إله إلا الله مقلب القلوب ومصرف الأزمان، {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ}، كلنا يا أيها المؤمنون نسير إلى الله بغير اختيار منا من حيث مضي الزمن، فمنا من حفظ نفسه وصدق مع ربه، ومنا من فرط وقصر، والكل ملاق ربه فمجازيه، وصدق علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حين قال “ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل”.
إخوتي في الله، هل رأيتم ثوباً يبلى، ومسكناً يتهدم، من طول الزمن الذي مر عليه أرأيتم شيخاً أو عجوزاً هدهما الكبر مر عليهما من السنين هكذا الدنيا تماماً نظرة وقوة، ثم تميل إلى الفناء حتى تنتهي، أما الأعمال فمسجلة، وأما الصحائف فمكتوبة، وستنشر عند الحساب، لكن هيهات أن يعود شيء مما مضى، ها نحن يا عباد الله في هذه الجمعة، يُسدل الستار على عام هجري كامل، مضى جزء من أعمارنا فيه آمال وآلام، وحسنات وسيئات، وكل غائب قد يعود، وكل مفقود قد يسترده صاحبه، وكل ذاهب قد يرجع، أما العمر والزمن فمستحيل وألف مستحيل هذا حكم الله وهذا قضاؤه.
إن الحياة دقائق وثوان تمر سريعة وقت الفرح وبطيئة وقت الحزن لكنها لا تقف وصدق الحسن البصري “يا بن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يومك ذهب بعضك”، وكان بعض السلف إذا غربت الشمس وقف عند باب داره يبكي فإذا قيل له في ذلك قال “قطعت يوماً من حياتي إلى الدار الآخرة ولا أدري أهي خطوات إلى الجنة أم أنها خطوات إلى النار”، كم يمر علينا الزمن ولا نتعظ، وكم تمر علينا الليالي ولا نعتبر، وكم تحدث الفواجع والكوارث حولنا وكأننا في مأمن، وكم قطعنا من سنيِّ حياتنا وكأنها لحظات، إن قطار الزمن يمضي ولا يعود، لا يحابي أحداً ولا يجامل، بل يسجل فيه كل شيء حتى مثاقيل الذر، {يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ}، وقال تعالى {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً}، وقال تعالى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
خاتمة الخطبة عباد الله الحياة فرصة والعمر غنيمة والصحة والفراغ من أعظم النعم فاجتهدوا في اغتنام فرص الحياة فقد لا تتكرر عليكم واعلموا بتوجيه نبيكم “اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ”، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً}، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
خطبة جمعة عن وداع العام الهجري مكتوبة
مقدمة الخطبة الحمد لله، تفرد عزًا وكمالاً، جل وتقدس وتعالى، نسأله صلاح الشأن كله حالاً ومآلاً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الموت والحياة ليبلو الناس أيهم أحسن أعمالاً، ونشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، خير الناس خصالاً، حذر من الاغترار بهذه الدار، وأمر بالاستعداد لدار القرار، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار.
نص الخطبة اتقوا الله على كل حال وفي كل مكان واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، أيها المسلمون حياة الإنسان مراحل، والناس في الدنيا بين مستعد للرحيل وراحل، وكل يوم، بل كل نفس يدني من الأجل، فالكيس من حاسب نفسه يومًا بيوم، فما الناس إلا حي أدركته منيته، فوري بالتراب، أو صغير بلغ سن الشباب، أو شيخ امتدت به الحياة حتى شاب، ومن وراء الجميع نقاش وحساب، فهنيئًا لمن أحسن واستقام، والويل لمن أساء وارتكب الآثام، ويتوب الله على من تاب، من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد، عباد الله هكذا في لمح البصر يطوى تاريخ عام كامل، طالما عشنا فيه آمالاً وآلاماً وطالما كانت لنا فيه ذكريات وطموحات، وفي توديع عام واستقبال عام جديد، فرص للمتأملين، وذكرى للمعتبرين، يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.
عباد الله إن المؤمن حين يودع مرحلة من عمره ويستقبل أخرى، فهو في حاجة ماسة لمحاسبة نفسه، وتقييم مسارها في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، يقول ابن القيم رحمه الله “وهلاك القلب إنما هو من إهمال محاسبة النفس ومن موافقتها واتباع هواها”، فليت شعري ماذا أودعنا في عامنا الماضي وماذا عسانا أن نستقبل به عامنا الجديد قال أبو الدرداء رضي الله عنه “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب منك يوم ذهب بعضك” وروى البخاري رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما قال “أخَذَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمَنْكِبِي، فَقَالَ كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ”، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال “ما لي وما للدُّنيا، ما أنا في الدُّنيا إلَّا كراكبٍ استَظلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وترَكَها”، فيا لها من وصية بليغة تصحح منظور المسلم لهذه الحياة! فعابر السبيل يتقلل من الدنيا، ويستكثر من زاد الإيمان، عابر السبيل لا يدنس نقاء النهار بآثامه، ولا يقصر الليل بغفلته ومنامه، إن دعي إلى طاعة أجاب، وإن نودي إلى الصلاة لبى.
خاتمة الخطبة عباد الله طوبى لمن اغتنم أيامه بما يقربه إلى الله، طوبى لعبد شغل نفسه بالطاعات واتعظ بما في الأيام من العظات، كل يوم يمر يأخذ بعضي يورث القلب حسرة ثم يمضي، قال تعالى {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}، فاللهم إنا نسألك حسن القول والعمل، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، واستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
خطبة بعنوان وقفات مع نهاية العام الهجري مكتوبة
مقدمة الخطبة الحمد لله الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً، وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، والحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، أحمده تعالى وأشكره حمداً وشكراً كما يحبه ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد فأوصيكم نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى، {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
نص الخطبة عباد الله نحن اليوم على مشارف نهاية هذا العام الهجري ألف وأربع مائة واثنين أربعين للهجرة، وكنا بالأمس القريب ننظر لأول ورقة في تقويم هذا العام، وننظر لآخره نظر البعيد، وها نحن الآن في آخره، عباد الله لو أعمل العاقل فكره في سرعة مرور الليالي والأيام، وسرعة تصرمها لرأى من ذلك عجباً، ولو تأمل متأمل فيما مضى من عمره طال أم قصر لوجد أنه قد مر سريعاً كلمح البصر، بالأمس بدأ هذا العام محملاً بالليالي والأيام، مثقلاً بالساعات والدقائق والثواني، فمرت أيامه تباعاً، وتصرمت ساعاته سراعاً، آخذاً بعضها برقاب بعض، ومؤذناً رحيل أولها بفناء آخرها، بدأ هذا العام بشهر محرم، ومر على الناس ثمانية أشهر كثمانية أيام، ثم دخل شهر رمضان وعاش المسلمون فيه ليالي يعمرون نهاره فيه بالصيام، وجزءًا من ليلهم فيه بالقيام، ثم انقضت تلك الليالي والأيام، ومر عيد الفطر ورحل، وانتهى موسم عشر ذي الحجة وموسم الحج سريعاً، وها نحن في آخر هذا العام، وكلما انتهت سنة ومضت تمنى البطالون الأماني في السنة التي تليها، وما علم هؤلاء أن الزمن إذا مضى لا يعود، وأن العمر يذهب، وأن كل يوم يمر على الإنسان يزيد به عمره، وينقص من أجله ويقربه إلى قبره، ويبعده عن أهله، يقربه من الآخرة، ويبعده عن الدنيا، وكما يقول الحسن “الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما”.
تمر الليالي والأيام، والشهور والأعوام، تمر ونحن في سبات وفي غفلة، هذا يوم تشرق شمسه، وذاك يوم تغرب شمسه، هذا شهر يدخل، وذاك شهر يخرج، هذا عام يدخل، وذاك عام يخرج، {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}، ألم تروا إلى هذه الشمس تطلع كل يوم من مشرقها، وتغرب من مغربها، وفي ذلك أعظم الاعتبار، فإن طلوعها ثم غروبها إيذان بأن هذه الدنيا ليست بدار قرار، وإنما هي طلوع وغيوب، ألم تروا إلى هذه الشهور تُهل فيها الأهلة صغيرة كما يولد الأطفال، ثم تنموا رويداً رويداً كما تنموا الأجسام، حتى إذا تكاملت نموها أخذت في النقص والاضمحلال، وهكذا عمر الإنسان، فاعتبروا يا أولي الأبصار، ألم تروا إلى هذه الأعوام تتجدد عاماً بعد عام، فإذا دخل عام جديد نظر الإنسان إلى آخره نظر البعيد، ثم تمر به الأيام سراعاً فيتصرم ذلك العام كلمح البصر، فإذا هو في آخر العام، وهكذا عمر الإنسان يتطلع الإنسان إلى آخره تطلع البعيد، فإذا به قد هجم عليه الموت بغتة {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ}، ربما يؤمل الإنسان بطول العمر، ويتسلى بالأماني، فإذا بحبل الأمل قد انصرم، وإذا ببناء الأماني قد انهدم، وكل آت فهو قريب.
عباد الله ألسنا نرى من يخرج من بيته صحيحاً معافاً لا يشكوا من علةٍ قط، قد أصبح لا يشكوا من أي مرض في كامل صحته وعافيته، ثم يقال مات فلان، إما في حادث سيارة، أو بسكتة قلبية، أو بغير ذلك من الأسباب، أصبح سليماً معافى، لم يخطر بباله الموت ولو بنسبة واحد بالمائة، وأمسى في عداد الأموات، لو أن هذا الإنسان قيل له قبل حصول هذا الحادث، أو السكتة القلبية ونحو ذلك، لو أنه أوقف قبل ذلك بدقيقة ما أملُك في هذه الدنيا فسيذكر أملاً طويلاً، وعمراً طويلاً، وتجد أنه مستبعد الموت في قرارة نفسه، ثم إذا هو بعد دقائق تتبدد تلك الأماني والأحلام، ويتحسر على تفريطه في على ما مضى من عمره، وتأتي تلك اللحظة الفاصلة التي ينتقل فيها من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، مثل نفسك يا أخي مكان هذا الإنسان، وكل واحد منا معرض لأن يكون مكانه، وما المانع أن يكون مصيره مصير هذا الإنسان.
عباد الله إن من الناس معلومات عن منهمكٌ في مشاغل الدنيا على حساب آخرته، وما إن ينتهي من شغل إلا ويدخل في شغل آخر، وكأنه ما خُلق إلا للدنيا، ويستمر على هذه الوتيرة حتى يفجأه الموت وهو على تلك الحال، يفجأه الموت ولم تنقضي أشغاله، يفجأه الموت على حين غفلة وغرّة فيبوء بالحسرة والندامة، يقول الحسن رحمه الله “إياكم وما شغل من الدنيا فإن الدنيا كثيرة الأشغال، لا يفتح رجل على نفسه باب شغل إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب”، وقد شيع أحد السلف جنازة فقال لأحد الحاضرين “أترى أن هذا الميت لو رد إلى الدنيا أكان يعمل غير الذي يعمل قال نعم. قال فإذا لم يكن هو فكنت أنت”، فالسعيد من اتعظ بغيره، وإن الشقيَّ من اتعظ به غيرُه.
خاتمة الخطبة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا}، بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبو إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
خطبة جمعة عن العام الهجري الجديد 1444/2023
مقدمة الخطبة الحمد لله المنعم على عباده بدينه القويم وشرعته، وهداهم لاتباع سيد المرسلين والتمسك بسنته، وأسبغ عليهم من واسع فضله وعظيم رحمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له دعوة الحق يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، يسبح له الليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله سيد المرسلين، وقائد الغر المحجلين، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
نص الخطبة أيها المسلمون إننا اليوم نستقبل عاما جديدا إسلاميا هجريا شهوره الشهور الهلالية التي هي عند الله تعالى في كتابه كما قال تعالى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}، الشهور التي جعلها الله تعالى مواقيت للعالم كلهم، قال الله عز وجل {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ}، مواقيت للناس كلهم بدون تخصيص، لا فرق بين عرب وعجم، ذلك لأنها علامات محسوسة ظاهرة لكل أحد، يعرف بها دخول الشهر وخروجه، فمتى رؤي الهلال من أول الليل دخل الشهر الجديد وخرج الشهر السابق.
أيها المسلمون إننا هذه الأيام نستقبل عاما جديدا إسلاميا هجريا، ليس من السنة أن نحدث عيدا لدخوله، أو نعتاد التهاني ببلوغه، فليس الغبطة بكثرة السنين، وإنما الغبطة بما أمضاه العبد منها في طاعة مولاه، فكثرة السنين خير لمن أمضاها في طاعة ربه، شر لمن أمضاها في معصية الله والتمرد على طاعته، وشر الناس من طال عمره وساء عمله، إن علينا أن نستقبل أيامنا وشهورنا وأعوامنا بطاعة ربنا، ومحاسبة أنفسنا، وإصلاح ما فسد من أعمالنا، ومراقبة من ولانا الله تعالى عليه، من الأهل من زوجات وأولاد بنين وبنات وأقارب، فاتقوا الله عباد الله وقوموا بما أنتم به معنيون وعنه يوم القيامة مسؤولون {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، قوموا بذلك على الوجه الأتم الأكمل أو على الأقل بالواجب واعلموا أن أعضاءكم ستكون عليكم بمنزلة الخصوم يوم القيامة يوم يختم على الأفواه وتكلم الأيدي والأرجل بما كسب الإنسان، قال الله تعالى {حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ}.
عباد الله في كل عام جديد، يعد المرء نفسه بالعزيمة الصادقة والجد، ولكن تمضي عليه الأيام وتنطوي الساعات وحاله لم تتغير إلى أصلح، فيبوء بالخيبة والخسران، ثم لا يفلح ولا ينجح، فاغتنموا الأوقات عباد الله بطاعة الله، وكونوا كل عام أصلح من العام الذي قبله، فإن كل عام يمر بكم يقربكم من القبور عاما، ويبعدكم عن القصور عاما، يقربكم من الانفراد بأعمالكم، ويبعدكم من التمتع بأهليكم وأولادكم وأموالكم.