معلومات عن صلاح الدين الأيوبي، واحد من الأسئلة القديمة والحديثة التي تجدها باستمرار على محركات البحث، فصلاح الدين الأيوبي صاحب سيرة عَظيمة لا تحيط بها مقال ولا مقالات؛ بل تحتاج في سردها لمُجلدات ونظرًا لضيق الوقت سنحاول من خلال التعريف بالقائد العظيم صلاح الدين الأيوبي مرورًا بأبرز المراحل المهمة في حياته وفي حياة الأمة، ودوره البارز في القضاء على الصلبيين وفتح بيت المقدس وتخليص مصر والأمة الإسلامية من الدولة الفاطمية العبيدية وغيرها من الأحداث الأخرى.
معلومات عن صلاح الدين الأيوبي
هو يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُيني التكريتي المُلقب ب الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، المولود في مدينة تكريت بالعراق في العام 532 هجرية والموافق 1138 ميلادية، هو المؤسس الأول للدولة الأيويبة وموحد مصر والشام وقاطع دابر الدولة الفاطمية العبيدية من مصر، ومُحرر بيت المقدس من دنس الصلبيين هو قائد رباني من الدرجة الأولى تربى على الجهاد منذ صغره، فهو ابن القائد نجم الدين أيوب الذي انتقل بأسرته من العراق إلى مدينة بعلبك السورية حيث عُين واليًا عليها مدة سبع أعوام، قبل أن ينتقل إلى دمشق.
نسب صلاح الدين
ويرجع نسب وأصل الأيوبيين إلى أيوب بن شاذي بن مروان من سكان مدين دوين في أرمينيا، ويختلف المؤرخون في تحديد نسب الأيوبيين أو العائلة الأيوبية وهي بعض الأقوال في ذكر نسب الأيوبيين/
- يذكر ابن الأثير في تاريخه أن نسب أيوب بن شاذي يرجع إلى الأكراد الروادية وهم من فخذ الهذبانبة.
- كما أورد أحمد بن خلكان هذا القول في تأريخه “قال لي رجل فقيه عارف بما يقول، وهو من أهل دوين، إن على باب دوين قرية يُقال لها “أجدانقان” وجميع أهلها أكراد روادية، وكان شاذي قد أخذ ولديه أسد الدين شيركوه ونجم الدين أيوب وخرج بهما إلى بغداد ومن خلال الموقع الرسميك نزلوا تكريت، ومات شاذي بها وعلى قبره قبة داخل البلد”.
- إلّا أنّ بعض الملوك الأيوبية يرفضون نسبهم إلى الأكراد ويقولون ” إنما نحن عرب، نزلنا عند الأكراد وتزوجنا منهم”.
- ووأمّا عن قول الأيوبيين في نسبهم فقد اختلفوا في نسبهم وتعددت الآراء
- يقول المعز إسماعيل الأيوبي صاحب اليمن بأن نسبهم يرجع إلى بني أمية.
- أمّا الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب يقول بأن نسبهم يرجع إلى بني مرة بن عوف من بطون غطفان.
- وأكد المعظم عيسى بن أحمد صاحب دمشق قول الملك العادل سيف الدين بن أحمد وأسمع هذا القول لأبنه الملك الناصر صلاح الدين داود.
- ويذكر الحسن بن داود الأيوبي في كتابه (الفوائد الجلية في الفرائد الناصرية، بأن نسب أجداده ليسوا أكراد، بل أنهم نزلوا ومكسوا لديهم فنسبوا إليهم، ووضع الحسن في كتابه شجرة العائلة وهي “أيوب بن شاذي بن مروان بن أبي علي محمد بن عنترة بن الحسن بن علي بن أحمد بن أبي علي بن عبد العزيز بن هُدْبة بن الحُصَين بن الحارث بن سنان بن عمرو بن مُرَّة بن عوف بن أسامة بن بيهس بن الحارث بن عوف بن أبي حارثة بن مرة بن نَشبَة بن غيظ بن مرة بن عوف بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش”.
نشأته وتعليمه
-كما ذكرنا- أنّ نجم الدين أيوب والد صلاح الدين أنتقل من مدينة بعلبك السورية إلى مدينة دمشق ومعه أسرته، وتربى فيها صلاح الدين وقضى طفولتها وفترة شبابه في قصر الملك العادل نور الدين محمود زنكي أمير دمشق حينها، وتذكر المصادر أن صلاح الدين الأيوبي عشق دمشق عشقًا جما حيث تربى فيها وتلاقى العلم، كما يذكر بعض معاصريه أنه برع في العلوم والدراسات ويُقال أنه كان تخصص بالهندسة الإقليدية والرياضيات وعلوم الحساب، هذا بالإضافة إلى تلقيه علوم الشريعة الإسلامية حيث كان لصلاح الدين شغفًا بعلوم الدين والفقه هذا بجوار العلوم العسكرية، وكذلك من العلوم التي درسها صلاح الدين علم الأنساب وتاريخ العرب والشعر وغيرها من العلوم الأخرى.
بدايات صلاح الدين العسكرية
لمّا بدأ بزوغ نجم صلاح الدين الأيوبي بالظهور مع اكتمال نضجه وبدايات ظهور قدراته العسكرية، كانت الدولة العباسية قد تفرقت إلى دويلات متفرقة وهذا في أواسط القرن الثاني عشر الميلادي، حيث أنتزع الفاطميون حكم مصر فخلعوا عنها رداء الدولة العباسية والبسوها الرداء الفاطمي العبيدي الشيعي، فلغوا الدعاء للخلفاء العباسيين من على منابر المساجد، في نفس الفترة كان الصليبيون يسيطرون على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط إلى سيناء، وكذلك الأتابكة يفرضون سيطرتهم على أجزاء من العراق وسوريا.
رحلة صلاح الدين إلى مصر
وفي تلك الفترة المُقدرة تاريخيًا رمضان عام 558 هجرية، لجأ إلى الشام من مصر الوزير الفاطمي شاور السعدي هربًا من الوزير ضرغام بن عامر اللخمي، الذي انتزع مكانه والوزارة وقتل أبنه الأكبر طيء بن شاور، طالبًا غوث الملك نور الدين زنكي ومساعدته، ولم يتأخر نور الدين في نجدته فأرسل قائده الشجاع أسد الدين شيركوه ومعه ابن أخيه صلاح الدين ضمن جنود جيشه وكان حينها يبلغ من العمر ستة وعشرين ربيعًا، وكان لإرسال نور الدين زنكي جنوده إلى مصر هدفين هما
- إغاثة شاور واستعادة وزارته كونه استغاث به.
- الاستعلام وتفقد أحوال مصر في ظل الحكم الفاطمي وتكالب الصليبين عليها.
وخرجت هذه الحملة في جمادي الأولى عام 559 هجرية، وعلى رأسها أسد الدين شيركوه المعروف بشجاعته وأمانته الذي جعل من صلاح الدين الأيوبي على مقدمة عسكره، ودخلوا مصر وبسطوا سيطرتهم عليها وتذكر المصادر أن دور صلاح الدين الأيوبي في هذه الحملة أقتصر على المهام الثانوية.
بزوغ نجم صلاح الدين في مصر
بعد وصول شاور وجنوده إلى مصر وقتلهم لضرغام وتمكين شاور من الوزارة مرة أخرى واستتباب الأمر له، لم يمكث طويلًا حتى غدر بأسد الدين شيركوه الذي خاف على سلطته منه؛ فراسل الصليبين واستنجد بهم في القضاء على شيركوه فحاصروه وجيشه ثلاثة أشهر بمدينة بلبيس، وتحت الضغط ونتيجة لهذا الحصار وقلة عدد جنوده استطاع شيركوه وجنوده الانسحاب إلى دمشق، وبعد عودتهم إلى دمشق وعلمه بمكاتبة شاور للفرنجة خاف على ضياعها فأمر شيركوه بتجهيز جيش بمساعدة صلاح الدين الأيوبي، وعند وصول الجيش لمصر اشتبكوا مع الفرنجة والفاطميين وبرز دور صلاح الدين بقوة في المعركة الأولى، التي عينه فيها أسد الدين شيركوه على قلب الجيش في حين تولى شيركوه الميمنة، وكانت هذه المعركة في صحاري الجيزة وأبلى صلاح الدين الأيوبي فيها بلاءً حسن وأسر صاحب قيسارية من قادة الصليبين عند مهاجمة قلب المسلمين، وانتهت المعركة بهزيمة الصلبيين والفاطميين وأنزلت بهم شر هزيمة.
دوره أثناء حصار الإسكندرية
بعد هزيمة جيش شاور والصلبيين توجه أسد الدين وبصحبة ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي إلى مدينة الإسكندرية، والتي كانت معروفه حينها بكرهها الشديد لشاور وفتحت لهم أبوابها بالترحيب، إلّا أن الأمور لم تسر كما خُطط لها فسرعان ما استطاع شاور وعموري الأول ملك بيت المقدس من تضميد جراحهم مرة أخرى وتوجهوا نحو الإسكندرية، فضربوا حصارًا عليها وسرعان ما بدأت المؤن تنفذ وبدت ملامح المجاعة، فقرر شيركوه التسلل مع حامية صغيره منها واستخلف على الإسكندرية صلاح الدين؛ أملًا منه أن تراه جيوش الصلبيين وشاور وتلحق به فينفك الحصار عن المدينة.
وخلال هذا دافع صلاح الدين الأيوبي عن المدينة باستماته واستمر الحصار إلى أن ساءت الأمور أكثر، مما دفع شيركوه لمراسلة الجيوش المُحاصرة للمدينة من أجل التفاوض على أن يخرج جنوده منها وألّا يُعاقب أهل إسكندرية على مساندتهم ودعمهم له، واضطر عموري الأول للموافقة على هذا العرض لأن نور الدين زنكي أغار على إمارة طرابلس، ويخرج جيش الشام من مصر في التاسع والعشرين من شوال عام 562 هجرية عائدًا إلى الشام.
صلاح الدين وتأسيس الدولة في مصر
نظرًا لتخلف شاور في دفع الجزية إلى الحامية الصليبية الموجودة في مصر توجه إليه القوام الرئيسي للجيش الصليبي، فلمّا علم نور الدين زنكي بهذا بالإضافة إلى انتشار شائعات حول زواج الكامل بن شاور من تقدمه للزواج من أخت صلا الدين؛ أمر شيركوه بصحبة صلاح الدين الأيوبي بإعداد جيشه والتوجه إلى مصر للمرة الثالثة وهذا في ربيع الأول عام 564 هجرية، ولما عَلمَ عموري الأول بتحرك جيش أسد الدين قاصد مصر أراد مباغته وقطع طريق الجيش عند السويس قبل الوصول، فلمّا فَطن شيركوه لهذه المكيدة وحيلته توجه بجيشه للجنوب مجاوزًا الفخ.
ودخل القاهرة في السابع من ربيع الآخر عام 564 هـ وعند وصوله توعد شاور بأن يدفع نفقات الجيش ولم يوف بوعده، فأطبق أسد الدين على شاور وقبض عليه في السابع عشر من ربيع الآخر ومن ثم قتله بأمر الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله، وعَينهُ العاضد بدلًا منه كوزير على البلاد حتى وفاته حينها علمَ الصليبين أن لا وجود لهم بأرض مصر فرحلوا عنها.
تولي صلاح الدين الوزارة
بعد تولي شيركوه للوزارة وفي هذه الآونة كان الخليفة لا حول له ولا قوة وكانت الأمور بيد الوزراء، فكان أسد الدين شيركوه هو الحاكم الفعلي للبلاد وصلاح الدين يباشر أمور الدولة من خلاله؛ نظرًا لكفايته وعلمه إلّا أن هذا الحال لم يدوم سوى شهرين قبل أن يتوفى أسد الدين شيركوه، فأسندت الوزارة لصلاح الدين الأيوبي تحت ضغط من الزنكيون أمراء دمشق وعلى رأسهم عماد الدين الأصفهاني، ونجح صلاح الدين في تدبير أمور الدولة بحسن إدارته إضافة إلى شعبيته بدأت في التزايد بين الناس والأمراء، إلّا أنه حاول بعض الجنود والأمراء الفاطميين اغتياله بتحريض من مؤتمن الخليفة طمعًا في الحكم، فقبض عليه صلاح الدين وأعدمه بعد أن أغار صدور حوالي خمسين ألف جندي بالحقد لصلاح الدين، لكن سريعًا ما استطاع صلاح الدين الأيوبي من قمع وكسر شوكتهم واستبدلهم بجنود موالين له.
حصار دمياط
نظرًا لانشغال نور الدين زنكي في مشاكل دولته وموت وزيره الأعظم أسد الدين شيركوه استغل الصليبيين بقيادة عموري هذا الوضع، وأرسل برسالة إلى البابا إسكندر الأكبر وملوك أوروبا يستحثهم على التعاون من أجل مهاجمة مصر، وفي غرة صَفر عام 565 هجرية بدأ الفرنجة بمهاجمة دمياط ومحاصرتها، وعلى الفور أمر صلاح الدين الأيوبي قائد جيشه شهاب الدين محمود ومعه ابن أخيه تقي الدين عمر بالتحرك مع حامية من الجنود للدفاع عن المدينة، هذا وراسل على الفور نور الدين زنكي يستحثه برسالة يشكو فيها مخافة سيطرة الإفرنج قائلًا
“إن تأخرت عن دمياط ملكها الإفرنج، وإن سرت إليها خلفني المصريون في أهلها بالشر، وخرجوا من طاعتي، وساروا في أثري، والفرنج أمامي؛ فلا يبقى لنا باقية”
فبدأ على الفور نور الدين بمهاجمة الحصون الصليبية على تخوم الشام كي يخفف الضغط على مصر، بالإضافة إلى دفاع الحامية التي أرسلها صلاح الدين عند المدينة ببسالة وألقائهم سلسلة ضخمة في النهر لمنع السفن من الوصول لدمياط، مما دفع الصليبين إلى فك الحصار الذي دام قرابة الخمسين يومًا وانسحابهم بعد حرق جميع أدوات الحصار، بالإضافة إلى ملاحقة صلاح الدين للفلول الهاربة من الصلبيين إلى غزة واشتبك معهم في معركة في دير البلح عام 1170 م، ومنها توجه إلى غزة ودمر القلعة التي بناها الصلبيين كما قام بفتح قلعة إيلات.
نهاية الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين
بعد انتصار صلاح الدين على الصليبين وانسحابهم من مصر، تثبتت أقدام الزنكيون بمصر أكثر، وكانت الدولة الفاطمية في رمقها الأخير فأمر نور الدين زنكي صلاح الدين بالدعاء للخليفة العباسي بدلًا من الخليفة الفاطمي على المنابر، إلّا إن صلاح الدين تأخر في تنفيذ الأمر؛ خوفًا من النفوذ الشيعي الذي لا زال موجودًا في مصر حتى أتى شيخ من الموصل زائرًا لمصر فصعد على المنبر في الجامع الأزهر ودعا للخليفة العباسي في أول جمعة من عام 567 هـ، ليبدأ أئمة المساجد في جميع أنحاء مصر يحذون حذوه في وقت ما كان الخليفة الفاطمي الأخير العاضد لدين الله يصارع الموت مريضًا ويموت بعد ذلك بوقت قصير، ليصبح الحكم في مصر بقبضة صلاح الدين الأيوبي، لينقل إليها أسرته ووالده نجم الدين ليكونوا أعوان له بالحكم وعلى مقربة منها، وبهذا يكون قد قضى صلاح الدين على الدولة الفاطمية العبيدية بعد حكم استمر قرابة 262 عام،.
سلطان صلاح الدين على مصر
بعد إحكام صلاح الدين قبضته على مصر أخذ يقوي مركزه ويعمل على الاستقلال بها، فبدأ بكسب محبة المصريين ومن ثمن أسند مناصب الدولة إلى المقربين منه وأنصاره، بالإضافة إلى القضاء على كافة المظاهر الشيعية فعزل قضاة الشيعة كما إلغاء الأذان الشيعي، وذكر الخلفاء الراشدين على المنابر وفي خطب الجمعة، وأسس المدارس السنية لأجل تثبيت مذهب أهل السنة كالمدرسة الناصرية والكاملية.
خلاف صلاح الدين مع نور الدين زنكي
وبعد تعاظم شأن صلاح الدين الأيوبي بمصر تخوف نور الدين ونكي من تعاظم قوته، بالأخص أن هذه الفترة كانت العلاقة بينهما تعاني بعض التوتر والفتور، بعدما تأخر صلاح الدين في الدعاء للخليفة العباسي في الخطبة -كما ذكرنا-، وزادت هذه الجفوة بينهم حينما اتفقا الاثنان على حصار قلعة الكرك ومدينة الشوبك بالأردن، إلّا أن صلاح الدين رجع لمصر قبل ملاقاة نور الدين مخافة أن يعزله عن مصر وأن يؤدي فتح القلعتين لتمهيد الطريق لنور الدين نحو مصر فتراجع صلاح الدين متحججًا بالأوضاع الخطرة بمصر، فقرر نور الدين بالمسير إلى مصر فلما علم بذلك صلاح الدين اجتماع بالمقربين منه ليشاورهم في الأمر فأملى عليه والده وخاله بمراسلة نور الدين والاعتذار له وتقديم التبريرات.
وفي تلك الأثناء ترامت الأخبار بأن جيش النوبيين ومعهم عناصر أرمنيّة بلغت حدود مصر وتحصر لحصار أسوان، فراسل أميرها صلاح الدين يطلب المساعدة فمده على الفور بجيش بقيادة أخية تورات شاه الذي أرغم النوبيين على الانسحاب وذلك في صيف 1172 م، وإلى هذه الفترة لم يكن نور الدين أتخذ أي خطوة عسكرية بتجاه مصر، ولكنه طالب صلاح الدين برد 200 ألف دينار أنفقها نور الدين في تجهيز حملة أسد الدين شيركوه لفتح مصر والقضاء على الصلبيين، إلا أن صلاح الدين قدم إليه 60 ألف دينار ومجموعة ضخمة من البضائع والهدايا والجواهر.
وتكررت محاولة نور الدين زنكي لخلع صلاح الدين الأيوبي بربيع 1174 م وأرسل في سبيل ذلك رسله إلى الموصل والجزيرة الفراتية وديار بكر يجمع المقاتلين لأجل خلع صلاح الدين، إلّا أنه لم يكتب لهذه الحلمة النجاح فقد أصيب نور الدين زنكي بذبحة صدرية في مايو عام 1174 م وبقي على فراش الموت حتى توفي في الخامس عشر من مايو 1174 م، وبوفاة نور الدين زنكي أصبح صلاح الدين المالك الأوحد لمصر وسيدها واستقل عن أي تبعية سياسية، وأصبح رأس السلالة الأيوبية.
فتح دمشق وضم الشام
باستخلاف الملك الصالح إسماعيل بعد وفاة أبيه نور الدين زنكي الذي وهو ابن أحد عشر ربيع في ذلك الحين، تسبب بطمع الممالك الصليبية في دمشق وما حولها، وُضعَ صلاح الدين بين خيارين صعبين، وهما
- أن يترك الممالك الصلبية حتى تهاجم مقر حكمه بمصر ويتركها مفتوحة لهجمات الصليبين وبيزنطة.
- وإمّا أن يدخل دمشق ويبسط سيطرته عليها ويتولى شؤونها ويبدأ بالتجهيز لملاقاة الصليبين.
ولم يَقُدم صلاح الدين على أي خطوة احترامًا لثقة نور الدين قبل وفاة به حين ولاه مصر، إلا أن الأمور بالشام تعقدت كثيرًا بعد وثوب كمشتكين كبير الجنود الزنكيون على الحكم ونقل الصالح إسماعيل لإمارة حلب، وكان قد عُين وصي على الصالح إسماعيل لكن سرعان ما طمع وأخذ يوسع رقعة نفوذه بالزحف نحو دمشق، فراسل شمس الدين بن المقدم أمير الموصل لمساعدته في ذلك إلّا أن الأخير رفض وكتب لصلاح الدين بذلك، وعلى الفور تجهز صلاح الدين الأيوبي بجيشه وانضمت له بالطريق كتائب المتطوعة من الكرد والعرب وزحف نحو دمشق ودخلها في الأول من ربيع الأول عام 570 هجرية وبسط نفوذه عليها، ثم بعد ذلك بدأ بتوسيع نفوذه على بلاد الشام وفتح القلاع والحصون والمدن المدينة تلو الأخرى.
معارك صلاح الدين ضد الصليبين
استطاع صلاح الدين الأيوبي في بسط نفوذه وضم تحت لوائه كلٌ مصر وسوريا والحجاز والعراق وتهامة في دولة موحدة تحاوط مملكة بيت المقدس والإمارات الصليبية، وعلى الفور فكر بالهدف الأكبر الذي كان يعد له من قبل وهو محاربة الصلبيين وطردهم، وخاض صلاح الدين الأيوبي في سبيل تحرير بلاد المسلمين من الصلبيين العديد من المعارك والمناورات نذكر منها اهم المعارك وهي كالتالي
معركة حطين
جاءت هذه المعركة نتيجة لخرق الصلبيين الهدنة المعقود مع صلاح الدين الأيوبي، إذ هاجمت بعض الحاميات قوافل المسلمين والحجاج مما جعل صلاح الدين يجهز جيشه ويبدأ بمحاصرة حصن الكرك، فلما سمع ملك الفرنجة بذلك حشد العساكر والعامة من أجل ملاقاة جيش صلاح الدين، ونزل الصليبيون في قرون حطين في الخامس والعشرين من ربيع الثاني عام 583 هجرية وكان صلاح الدين قد سبقهم وتمركز بجيشه بالمنطقة العليا فيها بجوار نبع المياه، فلما وصل الإفرنج وصولو عطشى وهالكي العطش وعلى الفور أعطى صلاح الدين الأمر بمهاجمتهم واستمرت المعركة ساعات طوال إلا بالنهاية كانت الغلبة للأيوبيين، وكان النصر حليف المسلمين وأُسر في المعركة ملك الفرنجة غي آل لوزنيان وأخيه صاحب حسن الكرك أرناط والعديد من قادة الفرنجة.
- معركة حصن يعقوب، كانت نتيجة لقيام بلدوين الرابع على بناء جسر فوق نهر الأردن، ولم يأخذ بتحذير صلاح الدين فسار إليه بجيشه حتى ببانياس وهناك أستدرج الفرنجة وأنقض عليه وأسر كبار قادتهم وهذا بالعام 1179 م.
- معركة أرسوف، من ضمن جملة المعارك التي أنتصر فيها صلاح الدين على جيش ريتشارد قلب الأسد، بعد قتال عنيف امتد لساعات عام 1191 ميلادية
بالإضافة إلى العديد من المعارك الجانبية الأخرى التي قادها صلاح الدين ضد الصليبين، ولا يسعنا الوقت لذكرها جميعًا.
فتح صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس وتحرير الأقصى
استطاع صلاح الدين الأيوبي دخول بيت المقدس بعد قتال وحصار دام طويلا، إذ تحصن قائد المدينة باليان بن بارزان وكان من فرسان الفرنجة الكبار والذي برع في إدارة المدينة وهي تحت الحصار، وكذلك حث العامة على مقاتلة صلاح الدين والدفاع عن المدينة لفترات طويلة، حتي سقطت بيد صلاح الدين الأيوبي وجيشه ودخلها في ليلة الإسراء والمعراج الموافق السابع والعشرين من رجب عام 583 م، دون أن يريق دماء العامة كذلك سمح لليهود بالعودة للمدينة كما أمر بترميم المحراب العمري القديم، وكان قد جلب معه منبر من حلب كان للملك نور الدين قد أمر بصناعته ليوضع بالمسجد الأقصى متى فُتح، كما أمر برفع جميع الأثار الصليبية من المسجد الأقصى وكذلك أمر بغسل الصخرة المقدسة.
وفاة صلاح الدين الأيوبي
كان قد أصيب صلاح الدين حتى أصيب بالحمى الصفراوية بعد عقده لمعاهدة الرملة مع ريتشارد قلب الأسد قبل رحيله عن القدس، فدب المرض يفتك بجسد صلاح الدين ويمنعه النوم، حتى يلقى ربه بعدها بأيام قليلة في فجر السابع والعشرون من صفر عام 589 هجرية الموافق الرابع من مارس عام 1193 م، ففج المسلمين بموته في جميع بقاع الأرض وبالأخص الدمشقيين، وتم دفع جثمانه بعد صلاة العصر بالمدرسة العزيزية بدمشق قرب المسجد الأموي بجوار الملك نور الدين زنكي، وقيل أنه حينما فتحت خزانته لم يكن بها من المال سوى سبعة وأربعين درهمًا ناصريًا ودرهم واحد ذهبي لم تكف حتى جنازته.